تصوِّر وسائل الإعلام سياسات إدارة بايدن تجاه الشرق الأوسط خلال العام الماضي بشكل عام على أنها حسنة النية ولكن غير فعالة. ويضغط الرئيس وفريقه بقوة، حسبما يقوله مساعدوه للصحافيين، في اتجاه حل ينهي العنف. ويُقال إن الرئيس يوبِّخ بنيامين نتنياهو حينما يتحدث الاثنان على انفراد، لكنه لا يستطيع إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي باستراتيجية من شأنها التقليل من الضحايا الفلسطينيين. وربما هناك بعض الحقيقة في كل ذلك.
غير أنه بعد مرور عام على الصراع الذي امتد الآن إلى ما وراء غزة ليشمل الضفة الغربية وإيران ولبنان وسوريا واليمن، تزداد قناعتي بأن إدارة بايدن تتفق إلى حد كبير مع استراتيجية نتنياهو، وإن كانت تلمّح أحياناً إلى خلاف ذلك. لا بل يمكن القول إن سياسات نتنياهو، من نواحٍ عديدة، هي سياسات أميركا، والاعتراف بهذه الدينامية هو الخطوة الأولى لتغييرها.
والواقع أن أميركا لا تملك قوة مطلقة في الخارج، غير أنه من الصعب تصديق أن الولايات المتحدة لا تملك تأثيراً على حليف وثيق تمدّه بمليارات الدولارات من الأسلحة. وعلى كل حال، فإن الحكومات الأجنبية غالباً ما تخضع لإرادة الولايات المتحدة. وحينما لا تحصل الولايات المتحدة على ما تريده، فإن رد فعلها كثيراً ما يتميز بنوع من الحدة والشراسة.
لكن العام الماضي، ورغم التقارير المتواترة التي تفيد بوجود توترات بين الجانبين، لم تتخذ الحكومة الأميركية أيَّ إجراءات لكبح جماح إسرائيل كأن ترهن مساعداتها العسكرية بتقليل الخسائر في صفوف المدنيين. وبالمقابل، بذل بايدن وكبار مساعديه قصارى جهدهم لتجاهل الأعمال الإسرائيلية التي انتقدتها بشدة منظمات حقوقية ودول أخرى بل وحتى مسؤولون مهنيون داخل الحكومة الأميركية، أو للتقليل من شأنها. وشملت تلك الخطوات منع إسرائيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين، وقتل ممثل حركة «حماس» في مفاوضات وقف إطلاق النار التي تقودها الولايات المتحدة، والتفجير الجماعي لأجهزة «البيجر» التي يستخدمها «حزب الله».
لا أقصد بذلك أن على إسرائيل أن تتوقف عن محاولة القضاء على «حماس» و«حزب الله» لمجرد أن الولايات المتحدة طلبت ذلك، فإسرائيل تنظر إلى الهجوم الذي شنّته «حماس» في 7 أكتوبر 2023، وخلّف مقتل أكثر من 1200 شخص، على أنه حدث مفصلي في تاريخها يجب الثأر له ومنع تكراره. غير أنه لو ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل بقوة، لاستطاعت إجبارها على تخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين الذين لم يكن لهم أي دور في 7 أكتوبر. ثم إن الإسرائيليين ازدادوا جرأة وتشجعوا على القيام بأعمال عدوانية بشكل مفرط لأن الدعم الأميركي يبدو غير مشروط. لماذا لم تفرض الولايات المتحدة أي قيود حقيقية على إسرائيل؟
أنا واثقٌ بأن بايدن يحزن لمقتل الأطفال والنساء والمرضى وكبار السن الفلسطينيين، غير أن تعليقاته العلنية وتعليقات مسؤولين آخرين في إدارته تشي بأن الحكومة الأميركية متفقة مع وجهة نظر نتنياهو حول الشرق الأوسط بشكل عام. ذلك أن القادة في إسرائيل والولايات المتحدة يصوّرون إسرائيل على أنها دولة ديمقراطية جيدة أخلاقياً ومحاطة بدول معادية لوجودها. كما أنهم متوجسون من اكتساب إيران القوة والنفوذ، ويلمّحون إلى أن أي عمل عسكري إسرائيلي مبرر بسبب هول أحداث 7 أكتوبر وبسبب التهديد المستمر الذي تواجهه إسرائيل من «حماس» و«حزب الله» وإيران. لهذا، وحتى لو كانت الولايات المتحدة تفضّل أن تقوم إسرائيل بعمليات قصف أقل في المناطق المكتظة بالسكان في غزة، فإن الجانبين متوافقان بخصوص القضايا الأساسية. غير أن ما حدث على مدى العام الماضي لا يمكن أن يستمر.
ولا شك في أن الولايات المتحدة بحاجة إلى سياسة جديدة تجاه إسرائيل، غير أن ذلك لن يتأتى فقط عبر إلقاء الدروس على نتنياهو أو بايدن بخصوص عدد الأطفال الذين يموتون أو يتضورون جوعاً. وبدلاً من ذلك، علينا أن نحضهما على إعادة التفكير في الأفكار الأساسية الكامنة وراء هذا التحالف.
فالولايات المتحدة يجب ألا تدخل في حروب باردة (أو ساخنة) طويلة الأمد مع الصين أو إيران أو روسيا أو أي دولة أخرى، وإنما يجب أن تدين أفعالاً محددةً مخالفة للقانون الدولي. والحلفاء، سواء أكانوا بريطانيا أم إسرائيل، يجب أن ينتَقدوا حينما يتصرفون بإجحاف. والأهم من ذلك، يجب أن نولي الأولوية ليس للدول أو المنظمات، وإنما للناس العاديين، فلا شيء يفعله قادة «حماس» أو «حزب الله» أو إيران يبرر سقوط أعداد كبيرة من القتلى المدنيين. وما كان يجدر ببايدن ومساعديه أن يقولوه باستمرار هو أن «حياة الإسرائيليين والفلسطينيين مهمة». ولهذا، على إدارة بايدن ومنتقدي ما تقوم به إسرائيل الكف عن الشكوى من نتنياهو، فهو وحده ليس المشكلة، وإنما على الولايات المتحدة أن تعترف بأنها تتفق مع استراتيجيته، أو أن تتخذ خطوات حقيقية لدفعه في اتجاه أقل تدميراً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»
* كاتب ومحلل سياسي أميركي، زميل مركز «نيو أميركا» - واشنطن